روائع مختارة | واحة الأسرة | أولاد وبنات (طفولة وشباب) | كيف نحقق السعادة للمراهقين؟.. الانشغال بالنافع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > أولاد وبنات (طفولة وشباب) > كيف نحقق السعادة للمراهقين؟.. الانشغال بالنافع


  كيف نحقق السعادة للمراهقين؟.. الانشغال بالنافع
     عدد مرات المشاهدة: 2595        عدد مرات الإرسال: 0

المراهقة وما أدراك ما المراهقة؟! إنها مصدر راهق على وزن (فَاعَلَ) ومعناها: مقاربة الحُلُم.  
 
وقيل: الفترة من بلوغ الحُلُم إلى سن الرشد. وجاء في المعجم الوسيط أيضاً: رَهِقَ فلان يَرْهَقُ رَهَقَاً: سَفِهَ وحَمُقَ وجَهِلَ، وركب الشر والظلم، وغَشِيَ المآثم، أو كذب أو عَجِلَ، وفلان رَهِقَهُ الدين: ركبه.
 
والمادة تدل على حصول العناء والمشقة، واتصاف الشخص بصفات مرذولة؛ وبما أن هذه المرحلة من أهم مراحل عمر الإنسان، وتحتاج إلى رعاية وعناية خاصة؛ لذا أردت أن أبين للآباء والأمهات، والمربين والمربيات سُبُلَ مواجهة هذه الفترة الصعبة في حياة أبنائنا وبناتنا محاولاً – قدر الاستطاعة – إيضاح ملامح شخصية المراهق أو المراهقة.
 
وكيف ننقذهما من العواصف الهوج التي تنشأ في نفوسهم أو تدفعهم نحو السلوك السلبي، والأهم من كل ذلك هو تقديم العلاج لكثير مما ينتابهم من أعراض وتغيرات.
 
أيها المربي الفاضل، والمربية الفاضلة، ولدكما أثمن شيء في حياتكما، وأنفس ما وهبه الله تعالى للزوجين، فلا تبخلان عليه بوقت أو جهد، أو ملاحظة، أو ملاطفة، أو توجيه، أو إجراء مناسب، وتنصرفان عن مواجهة ما يعانيه تحت أي ذريعة أو حجة واهية لا ترقى إلى مستوى مصلحة الولد.
 
إن من أراد أن يواجه أية مشكلة، فعليه أن يتعرف على طبيعتها أولاً، ومن هنا أقول: يخطئ كثير من المهتمين بشؤون التربية عندما يتصورون أنهم إذا قدموا للأبناء والبنات مناهج تربوية وتعليمية تُعْنَى بأجسادهم فقط، أو تعنى بها وبعقولهم فحسب، أو تعنى بأرواحهم وعواطفهم وكفى.
 
يجب أن ننظر إلى كينونة هذا المُرَبَّي وإلى المرحلة العمرية التي يمر بها، إنها فترة ما بين البلوغ!!!! إلى سن الرشد، ثم ننظر إلى هذا الإنسان نظرة متكاملة أي هو: (جسد + روح + عقل + عاطفة + عقل اجتماعي + حِزم من الانفعالات النفسية.... إلخ).
 
والحقيقة التي ينبغي أن نعترف بها: أن حقيقة الكينونة البشرية هي (طين) من هذه الأرض، وروح (الله أعلم بها)، وهو أعلم بمن خلق سبحانه؛ ولذا يتحتم علينا أن نستلهم مناهجنا التربوية ممن خلق وسوى، وجعل الذكر والأنثى؛ ولا مانع أن ننفتح على الآخر، ونستفيد مما ابتدعه من وسائل وأدوات تساعدنا على تحقيق التربية.
 
وليس من الحكمة أن نجمد في باب الوسائل؛ كما لا يخفى علينا أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذ بها، فإن عثرنا على دراسات وكتابات نستطيع أن نوظفها لمصالحنا ومصالح أبنائنا؛ فلا بأس شريطة ألا تصطدم بالهوية والشخصية الإسلامية، أو تتعارض مع نصوص شرعية قطعية الثبوت والدلالة.
 
ومن الاعتراف بالحقيقة أنني أكره (مصطلح المراهقة) الذي يذكرني دائماً بالنظرة السوداية للإنسان؛ وكأن الله تعالى لم يخبرنا عن الإنسان وحقيقته؛ إذ قال سبحانه وتعالى: (وهديناه النجدين) سورة البلد، و قال سبحانه وتعالى (قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها)سورة الشمس.
 
فالإنسان فيه طاقات خيرية تدعمه قوى عقلية وروحية من داخله، وقوى خارجية هي: رسالات السماء إلى الإنسان؛ لتأخذ بيده إلى طريق السعادة الحقة.
 
أحب أن نطلق على ما يسمى (بالمراهقة) كلمة أخرى ولتكن: مرحلة البلوغ والحِلْم بكسر الحاء؛ فهذا التعبير يطلعنا على أن هذا المخلوق دخل في فترة الشعور بالآخر سواء من طرق الذكر أو الأنثى؛ والإحساس بالانتقال من التبعية إلى الاستقلالية، ومن التلقي إلى الأمر، ومن الخضوع إلى النزوع للانطلاق، ومن التصرفات المقيدة إلى السلوكيات المتحررة من كل سلطة.
 
إنها مرحلة تتطلب منا أن نُجَنِّدَ كل طاقاتنا لاستيعابها وتوجيهها وجهة راشدة وهذا – بلا شك – عمل شاق؛ ولكنه قرار ينبغي أن نتخذه كي نسعد أبناءنا وبناتنا، وهم فلذات أكبادنا.
 
و أغلى عندنا من كل ما وهب الله لنا، وسيكلفنا هذا العمل التضحية بالوقت والجهد والفكر وترك ملذاتنا وأهوائنا؛ وفي هذا الإجراء تعب وعناء.
 
لكن لا بد منه؛ وإلا إذا فرطنا في تربية أولادنا، فسنحصد ثماراً لا تصلح للحياة ولا للموت؛ لأن الموت الحقيقي يحصد – بإذن الله – كل ما قدر الله له أن يزول عن واقع الحياة. إنما هؤلاء أحياء، ولكنهم ليسوا بأسوياء صالحين، فهم يموتون موتاً بطيئاً، ويعكرون حياة أوليائهم، وقد يندم المقصر، وماذا عساه أن ينفع الندم.
 
أيها المربون والمربيات، إن الرَهَقَ الذي يصيب أبناءنا حينما يصلون إلى سن البلوغ أمر طبيعي؛ إذ التغيرات الجسدية والنفسية التي تنتابهم أمر فطري وهي – بلا ريب – قوية في كثير من الأحيان، وقد تكون سلبية في أحيان أخرى (تتمثل في حب العزلة، والانطواء والشعور بالخجل، والبعد عن الناس..... إلخ).
 
إن أول خطوة يجب أن نخطوها مع هؤلاء هي:
 
أولا: أن نحرص على ملء فراغهم بما ينفع ويُهَدِّيءُ لا بما يضر ويُهَيِّجُ. وعلينا أن نختار لهم أصدقاء صالحين للشباب منهم، أو نعينهم ونرشدهم إلى ذلك وهذه مهمة الأب أكثر من الأم، أو     صديقات صالحات للفتيات وهذه قد تكون مهمة الأم خاصة.
 
 ونتابعهم بطرق مباشرة وغير مباشرة دون إظهار النزعة الفوقية عليهم.
 
 يمكن أن نختار لهم بيئات اجتماعية وثقافية ورياضية، وذهنية و و و.... يشرف عليها مربون أكفياء،وينبغي التواصل معهم، وتقديم كل إعانة لهم، ومعالجة أي خطأ، وتشجيع أي صواب.
 
ثانياً – من المهم جداً في هذه الفترة أن نقدم لهم وجبات غذائية ليس فيها ما يثير الغرائز والشهوات.
 
 ثالثاً – نحبب إليهم قراءة القصص والأناشيد والمسرحيات والمقالات ووو..... التي تغرس فيهم حب الفضائل، وتسمو بهم إلى أجواء أخلاقية راقية.
 
رابعاً – يجب على الأبوين مشاركة أبنائهم وبناتهم في إدارة حياة الأسرة وأخذ آرائهم، واستصدار قرارات منهم قد تحتاج إلى ترشيد.
 
خامساً – تعويدهم على حب الجيران والأقارب والتواصل مع الجميع.
 
سادساً – ربط البنين خاصة بالمسجد وما فيه من حلق ودروس.
 
سابعاً – ربط البنات بالجمعيات الخيرية ومراكز تحفيظ القرآن، والجمعيات ذات المناشط الاجتماعية.
 
ثامناً – تنشيط المكتبة البيتية المناسبة وترغيبهم في القراءة والكتابة، وتشجيع مواهبهم وربطها بالواقع.
 
تاسعاً – إقامة معسكرات ترويحية لهم، أو رحلات برية بالتعاون مع بعض الأسر الطيبة أو الأقارب الصالحين.
 
عاشراً – تشجيعهم على الأعمال الريادية كأن يطلب منهم المشاركة في الحفلات المدرسية والاجتماعية.
 
حادي عشر – إقامة جلسات عائلية تفتح فيها مواضيع تخص مستقبلهم، أو تعالج وقائع سلبية في المجتمع، أو تطور سلوكيات إيجابية.
 
ثاني عشر – ربط هؤلاء الشباب والشابات بهموم الأمة وتطلعاتها، وإشعارهم أنهم جزء من الكيان الإسلامي الكبير.
 
 ثالث عشر – تحذيرهم من بعض الناعقين والناعقات ممن يضعون السم بالعسل، وكذلك تحذيرهم من كل ما يتوقع شره، ولا يؤمن مكره، مثل شرب الدخان ومعرفة أضرار التدخين، والمخدرات، أو غيرها من الأمور الضارة.
 
ثالث عشر – وأعتقد - وإن تأخرت في عرض هذه الفكرة – أننا بحاجة إلى ما يسمى بتقدم الثقافة الجنسية الإسلامية لهم وقد يستغرب مني بعضهم هذا الطرح الجريء؛ ولكني لا أهرب من مواجهة الواقع المحموم.
 
والقضية ليست في تقديم الثقافة الجنسية الإسلامية، وإنما في حسن تقديمها، واختيار الوقت والمعلومة المناسبين. وللأبوين والمدرسة دور كبير في هذا المجال، وهي قضية حساسة في مجتمعاتنا، ولكن الضغوط الجاهلية علينا بما تحمل من أوزار براقة خداعة تتطلب منا تقديم هذه التوعية للأبناء والبنات.
 
ولن يستطيع أي باحث أو مرب أن يصف – بشكل عشوائي نظري – الكيفية التي ستتم بها تقديم هذه الثقافة؛ لأن هناك عوامل كثيرة يجب أن توضع في الحسبان قبل الإقدام على هذه الخطوة الجريئة ولكن لا بد منها. أضرب أمثلة بسيطة – ولا أفصل – لقد ذكر لي أحد الإخوان أنه حينما شعر أن ابنه قد بلغ، خلا به، وقال يا بني، أنا أعلم أنك صرت رجلاً!!!!
 
يابني، إن ما تشعر به قد سبقك إليه غيرك، فإن حصل معك كذا وكذا، فعليك أن تفعل كذا وكذا من حرص على النظافة والاغتسال، وتغيير الملابس الداخلية وغيرها. أحد المربين خاطب تلاميذه الذين دخل الكثير منهم في سن البلوغ، وحثهم على تناول أطعمة معينة والكف عن أخرى، ورغبهم في غض البصر.
 
وأنه لا فائدة من إطلاق البصر هنا وهناك، بل سيجلب لهم زيادة المعاناة، وغض البصر مطلوب شرعاً وفيه حفظ الطاقة، وصيانة الأعراض. حبذا لو تجلس أم مع ابنتها، وترشدها إلى حسن التكيف مع التغيرات الجديدة التي ألمت بها وبغيرها.
 
إن الثقافة الجنسية الإسلامية إذا أخذنا بها وعرفنا كيف نقدمها لفتياننا وفتياتنا، فإنها ستؤدي إلى إسعاد الجميع أبناء وآباء. وينبغي عرضها وفق الضوابط الشرعية وعلى أيدي مربين أمناء وأمينات غُيُرٍ على مصالح أجيالنا.
 
إن مرحلة ما يسمى بالمراهقة من أخطر الأطوار العمرية والتي إذا حسنت فيها سيرة المراهق!!! أو المراهقة!!! فإنها ستتحول إلى طاقات نافعة راشدة تسعد صاحبها ومن حوله، وإذا أهملناها – تحت أية دواع – فستتحول إلى طاقات مدمرة مفسدة تشقي صاحبها ومن حوله.
 
إن تلك الطاقات سيل مندفع قوي، إذا ترك، أتى على كل ما وقف في طريقه، وإذا حصر وراء السدود، واستخدمت مياهه في الزراعة والبناء، أَمْرَعَتْ الأرض، وشمخت رؤوس الأبنية على ظهرها، وسَعِدَ البشر، وأسعدوا غيرهم.
 
إن علينا أن نرفق بالفتيان والفتيات في هذه المرحلة، ولنعلم أن مواجهتهم بالعنف والقسوة لن تجدي هذه المعاملة معهم شيئاً، كما أن التسيب والإهمال في مواجهة الحقيقة أمر منكور، فلنأخذ بسياسة الجذب والإرخاء بحكمة واعية وعقل بصير.
 
كما يجب ألا ندع المشكلة حتى تتفاقم؛ بل نعالج قضايانا منذ ظهور علاماتها دون تردد أو بطء، والعلاج يحتاج إلى البحث عن الأسباب، وتشخيص الأمراض، واختيار الدواء. والحمد لله رب العالمين.

الكاتب: مالك فيصل الدندشي

المصدر: موقع لها أون لاين